فصل: تفسير الآية رقم (67):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (65):

{فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65)}
{فَعَقَرُوهَا} أي فخالفوا ما أمروا به فعقروها، والعقر قيل: قطع عضو يؤثر في النفس.
وقال الراغب: يقال: عقرت البعير إذا نحرته، ويجيء عنى الجرح أيضًا كما في «القامومس» وأسند العقر إليهم مع أن الفاعل واحد منهم وهو قدار كهمام في قول، ويقال له: أحمر ثمود، وبه يضرب المثل في الشؤم لرضاهم بفعله، وقد جاء أنهم اقتسموا لحمها جميعًا {فَقَالَ} لهم صالح عليه السلام {تَمَتَّعُواْ} عيشوا.
{فِى دَارِكُمْ} أي بلدكم، وتسمى البلاد الديار لأنها يدار فيها أي يتصرف يقال: ديار بكر لبلادهم، وتقول العرب الذي حوالى مكة: نحن من عرب الدار يريدون من عرب البلد، وإلى هذا ذهب الزمخشري، وقال ابن عطية: هو جمع دارة كساحة وساح وسوح، ومنه قول أمية بن أبي الصلت يمدح عبد الله بن جدعان:
له داع بمكة مشمعل ** وآخر فوق دارته ينادي

ويمكن أن يسمى جميع مسكن الحي دارًا وتطلق الدار وتطلق الدار على الدنيا أيضًا، وبذلك فسرها بعضهم هنا، وفسر الطبرسي التمتع بالتلذذ أي تلذذوا بما تريدون {ثلاثة أَيَّامٍ} ثم يأخذكم العذاب، قيل: إنهم لما عقروا الناقة صعد فصيلها الجبل ورغا ثلاث رغوات فقال صالح عليه السلام: لكل رغوة أجل يوم، وابتداء الأيام على ما في بعض الروايات الأربعاء، وروي أنه عليه السلام قال لهم: تصبح وجوهكم غدًا مصفرة. وبعد غد محمرة. واليوم الثالث مسودة ثم يصبحكم العذاب فكان كما قال: {ذلك} إشارة إلى ما يدل عليه الأمر بالتمتع ثلاثة أيام من نزول العذاب عقيبها وما فيه من معنى البعد للتفخيم {وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} أي غير مكذوب فيه فحذف الجار وصار المجرور مفعولًا على التوسع لأن الضمير لا يجوز نصبه على الظرفية والجار لا يعمل بعد حذفه، ويسمون هذا الحذف والإيصال، وهو كثير في كلامهم ويكون في الاسم كمشترك وفي الفعل كقوله:
ويوم شهدناه سليمًا وعامرا ** قليل سوى طعن النهار نوافله أو غير مكذوب

على المجاز كأن الواعد قال له: أفي بك فإن وفى به صدقه وإلا كذبه فهناك استعارة مكنية تخييلية، وقيل: مجاز مرسل بجعل {مَكْذُوبٍ} عنى باطل ومتخلف، أو وعد غير كذب على أن مكذوب مصدر على وزن مفعول كمجلود ومعقول عنى عقل وجلد فإنه سمع منهم ذلك لكنه نادر، ولا يخفى ما في تسمية ذلك وعدًا من المبالغة في التهكم.

.تفسير الآية رقم (66):

{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66)}
{فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا} أي عذابنا أو أمرنا بنزوله، وفيه ما لا يخفى من التهويل {نَجَّيْنَا صالحا والذين ءامَنُواْ مَعَهُ} متعلق بنجينا أو بآمنوا {بِرَحْمَةٍ مّنَّا} أي بسببها أو ملتبسين بها، وفي التنوين والوصف نوعان من التعظيم {وَمِنْ خِزْىِ يَوْمِئِذٍ} أي نجيناهم من خزي يومئذٍ وهو الهلاك بالصيحة وهذا كقوله تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُمْ مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} [هود: 58] على معنى إنا نجيناهم، وكانت تلك التنجية من خزي يومئذٍ، وجوز أن يراد ونجيناهم من ذل وفضيحة يوم القيامة أي من عذابه، فهذه الآية كآية هود سواء بسواء.
وتعقب أبو حيان هذا بأنه ليس بجيد إذ لم تتقدم جملة ذكر فيها يوم القيامة ليكون التنوين عوضًا عن ذلك، والمذكور إنما هو جاء أمرنا فليقدر يوم إذ جاء أمرنا وهو جيد، والدفع بأن القرينة قد تكون غير لفظية كما هنا فيه نظر، وقيل: القرينة قوله سبحانه فيما مر: {عَذَابُ غَلِيظٍ} [هود: 58] وفيه ما فيه، وقيل: الواو زائدة فيتعلق {مِنْ} بنجينا المذكور، وهذا لا يجوز عند البصريين لأن الواو لا تزاد عندهم فيوجبون هنا التعلق حذوف وهو معطوف على ما تقدم، وقرأ طلحة. وأبان {وَمِنْ خِزْىِ} بالتنوين ونصب {يَوْمَئِذٍ} على الظرفية معمولًا لخزى، وعن نافع. والكسائي أنهما قرآ بالإضافة وفتح يوم لأنه مضاف إلى إذ وهو غير متمكن، وهذا كما فتح حين في قوله النابغة:
على حين عاتبت المشيب على الصبا ** فقلت ألما أصح والشيب وازع

{إِنَّ رَبَّكَ} خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم {هُوَ القوى العزيز} أي القادر على كل شيء والغالب عليه في كل وقت ويندرج في ذلك الإنجاء والإهلاك في ذلك اليوم.

.تفسير الآية رقم (67):

{وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67)}
{وَأَخَذَ الذين ظَلَمُواْ} قوم صالح، وعدل عن الضمير إلى الظاهر تسجيلًا عليهم بالظلم وإشعارًا بعليته لنزول العذاب بهم {الصيحة} أي صيحة جبريل أو صيحة من السماء فيها كل صاعقة وصوت مفزع، وهي على ما في البحرفعلة للمرة الواحدة من الصياح، يقال: صاح يصيح إذا صوت بقوة، وأصل ذلك كما قال الراغب تشقيق الصوت من قولهم: إنصاح الخشب. أو الثوب إذا انشق فسمع منه صوت، وصيح الثوب كذلك، وقد يعبر بالصيحة عن الفزع، وفي الأعراف {فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} [الأعراف: 78، 91] قيل: ولعلها وقعت عقيب الصيحة المستتبعة لتموج الهواء، وقد تقدم الكلام منا في ذلك {فَأَصْبَحُواْ فِي ديارهم} أي منازلهم ومساكنهم، وقيل: بلادهم {جاثمين} هامدين موتى لا يتحركون، وقد مر تمام الكلام في ذلك معنى وإعرابًا.

.تفسير الآية رقم (68):

{كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68)}
{كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ} أي كأنهم لم يقيموا {فِيهَا} أي في ديارهم، والجملة قيل: في موضع الحال أي أصبحوا {جاثمين} مماثلين لمن لم يوجد ولم يقم في مقام قط {إِلا أَنْ} وضع موضع المضمر لزيادة البيان، ومنعه من الصرف حفص. وحمزة نظرًا إلى القبيلة، وصرفه أكثر السبعة نظرًا إلى الحي كما قدمنا آنفًا، وقيل: نظرًا إلى الأب الأكبر يعني يكون المراد به الأب الأول وهو مصروف وحينئذٍ يقدر مضاف كنسل وأولاد ونحوه، وقيل: المراد أنه صرف نظرًا لأول وضعه وإن كان المراد به هنا القبيلة {ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ} صرح بكفرهم مع كونه معلومًا مما سبق من أحوالهم تقبيحًا لحالهم وتعليلًا لاستحقاقهم الدعاء عليهم بالبعد والهلاك في قوله سبحانه: {أَلاَ بُعْدًا لّثَمُودَ}، وقرأ الكسائي لا غير بالتنوين، وقد تقدم الكلام في شرح قصتهم على أتم وجه.

.تفسير الآية رقم (69):

{وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)}
{وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إبراهيم} وهم الملائكة؛ روي عن ابن عباس أنهم كانوا اثني عشر ملكًا.
وقال السدي: أحد عشر على صورة الغلمان في غاية الحسن والبهجة، وحكى صاحب الفينان أنهم عشرة منهم جبريل، وقال الضحاك: تسعة، وقال محمد بن كعب: ثمانية، وحكى الماوردي أنهم أربعة ولم يسمهم.
وجاء في رواية عن عثمان بن محيصن أنهم جبريل. وإسرافيل. وميكائيل. ورفائيل عليهم السلام، وفي رواية عن ابن عباس. وابن جبير أنهم ثلاثة الأولون فقط، وقال مقاتل: جبرائيل. وميكائيل. وملك الموت عليهم السلام، واختار بعضهم الاقتصار على القول بأنهم ثلاثة لأن ذلك أقل ما يدل عليه الجمع وليس هناك ما يعول عليه في الزائد وإنما أسند إليهم المجيء دون الإرسال لأنهم لم يكونوا مرسلين إليه عليه السلام بل إلى قوم لوط لقوله تعالى: {إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمِ لُوطٍ} [هود: 70] وإنما جاءوه لداعية البشرى، قيل: ولما كان المقصود في السورة الكريمة ذكر صنيع الأمم السالفة مع الرسل المرسلة إليهم ولحوق العذاب بهم ولم يكن جميع قوم إبراهيم عليه السلام من لحق بهم العذاب بل إنما لحق بقوم لوط منهم خاصة غير الأسلوب المطرد فيما سبق من قوله تعالى: {وإلى عَادٍ أَخُاهُمْ هُودًا} [هود: 50] {وإلى ثَمُودَ أَخُاهُمْ صالحا} [هود: 61] ثم رجع إليه حيث قيل: {وإلى مَدْيَنَ أخاهم شُعَيْبًا} [هود: 84] والباء في قوله تعالى: {بالبشرى} للملابسة أي ملتبسين بالبشرى، والمراد بها قيل: مطلق البشارة المنتظمة بالبشارة بالولد من سارة لقوله تعالى: {فبشرناها بإسحاق} [هود: 71] الآية، وقوله سبحانه: {فبشرناه بغلام حَلِيمٍ} [الصافات: 101] إلى غير ذلك، وللبشارة بعدم لحوق الضرر به لقوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إبراهيم الروع وَجَاءتْهُ البشرى} [هود: 74] لظهور تفرع المجادلة على مجيئها، وكانت البشارة الأولى على ما قيل: من ميكائيل. والثانية من إسرافيل عليهما السلام، وقيل: المراد بها البشارة بهلاك قوم لوط عليه السلام فإن هلاك الظلمة من أجل ما يبشر به المؤمن.
واعترض بأنه يأباه مجادلته عليه السلام في شأنهم، واستظهر الزمخشري أنها البشارة بالولد وهي المرادة بالبشرى فيما سيأتي، وسر تفرع المجادلة عليها سيذكر إن شاء الله تعالى، وعلل في الكشف استظهار ذلك بقوله: لأنه الأنسب بالإطلاق، ولقوله سبحانه في الذاريات: {وَبَشَّرُوهُ بغلام عَلَيمٍ} [الذاريات: 28] ثم قال بعده: {فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا المرسلون} [الذاريات: 31] ثم قال: وقوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إبراهيم} [هود: 74] إلخ، وإن كان يحتمل أن ثمة بشارتين فيحمل في كل موضع على واحدة لكنه خلاف الظاهر انتهى، ولما كان الإخبار جيء الرسل عليهم السلام مظنة لسؤال السامع بأنهم ما قالوا: أجيب بأنهم {قَالُواْ سلاما} أي سلمنا أو نسلم عليك سلامًا فهو منصوب بفعل محذوف، والجملة مقول القول قال ابن عطية: ويصح أن يكون مفعول {قَالُواْ} على أنه حكاية لمعنى ما قالوا لا حكاية للفظهم.
وروي ذلك عن مجاهد. والسدي، ولذلك عمل فيه القول، وهذا كما تقول لرجل قال: لا إله إلا الله: قلت حقًا وإخلاصًا.
وقيل: إن النصب بقالوا لما فيه من معنى الذكر كأنه قيل: ذكروا سلامًا {قَالَ سلام} أي عليكم سلام أو سلام عليكم، والابتداء بنكرة مثله سائغ كما قرر في النحو، وقد حياهم عليه السلام بأحن من تحيتهم لأنها بجملة اسمية دالة على الدوام والثبات فهي أبلغ، وأصل معنى السلام السلامة مما يضر.
وقرأ حمزة. والكسائي سلم في الثاني بدون ألف مع كسر السين وسكون اللام وهو على ما قيل: لغة في {سلام} كحرم. وحرام، ومنه قوله:
مررنا فقلنا أيه سلم فسلمت ** كما اكتل بالبرق الغمام اللوائح

وقال ابن عطية: ويحتمل أن يراد بالسلم ضد الحرب، ووجه بأنهم لما امتنعوا طعامه وخاف منهم قاله أي أنا مسالم لا محارب لأنهم كانوا لا يأكلون طعام من بينهم وبينه حرب، واعترض بأنه يدل على أن قوله هذا بعد تقديم الطعام. وقوله سبحانه: {فَمَا لَبِثَ} إلخ صريح في خلافه، وذكر في الكشاف أن حمزة. والكسائي قرءا بكسر السين وسكون اللام في الموضعين وهو مخالف للمنقول في كتب القراءات، وقرأ ابن أبي عبلة قال سلامًا بالنصب كالأول، وعنه أنه قرأ بالرفع فيهما {فَمَا لَبِثَ} أي فما أبطأ إبراهيم عليه السلام.
{أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} أي في مجيئه به أو عن مجيئه به {فَمَا} نافية، وضمير {لَبِثَ} لإبراهيم، و{أَن جَاء} بتقدير حرف جر متعلق بالفعل وحذف الجار قبل أن وأن مطرد، وحكى ابن العربي أن {ءانٍ} عنى حتى، وقيل: {ءانٍ} وما بعدها فاعل {لَبِثَ} أي فما تأخر مجيئه، وروي ذلك عن الفراء، واختاره أبو حيان.
وقيل: ما مصدرية والمصدر مبتدأ أو هي اسم موصول عنى الذي كذلك، و{أَن جَاء} على حذف مضاف أي قدر وهو الخبر أي فلبثه أو الذي لبثه قدر مجيئه وليس بشيء، والعجل ولد البقرة، ويسمى الحسيل والخبش بلغة أهل السراة، والباء فيه للتعدية أو الملابسة، والحنيذ السمين الذي يقطر ودكه من حنذت الفرس إذا عرقته بالجلال كأنه ودكه كالجلال عليه، أو كأن ما يسيل منه عرق الدابة المجللة للعرق، واقتصر السدي على السمين في تفسيره لقوله تعالى: {بِعِجْلٍ سَمِينٍ}، [الذاريات: 26] وقيل: هو المشوي بالرضف في أخدود، وجاء ذلك في رواية عن ابن عباس. ومجاهد. وقتادة، وفي رواية عن مجاهد تفسيره بالمطبوخ، وإنما جاء عليه السلام بالعجل لأن ماله كان البقر وهو أطيب ما فيها، وكان من دأبه عليه السلام إكرام الضيف، ولذا عجل القرى، وذلك من أدب الضيافة لما فيه من الاعتناء بشأن الضيف، وفي مجيئه بالعجل كله مع أنهم بحسب الظاهر يكفيهم بعضهم دليل على أنه من الأدب أن يحضر للضيف أكثر مما يأكل، واختلف في هذا العجل هل كان مهيئًا قبل مجيئهم أو أنه هيئ بعد أن جاؤوا؟ قولان اختار أبو حيان أولهما لدلالة السرعة بالإتيان به على ذلك، ويختار الفقير ثانيهما لأنه أزيد في العناية وأبلغ في الإكرام، وليست السرعة نصًا في الأول كما لا يخفى.